اتفاق 10 آذار: التحديات، المماطلة، والتداعيات المحتملة
في العاشر من مارس/آذار 2025، وقّع الرئيس السوري المؤقت أحمد الشرع اتفاقًا تاريخيًا مع قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، في محاولة لتوحيد سوريا سياسيًا وعسكريًا بعد سنوات من النزاع. تضمن الاتفاق بنودًا جوهرية تهدف إلى دمج قسد في مؤسسات الدولة السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية، المطارات، وحقول النفط والغاز، مع ضمان حقوق المكون الكردي كجزء أصيل من الشعب السوري، والتأكيد على وحدة الأراضي السورية. كما نص الاتفاق على وقف إطلاق النار، وتشكيل لجان مشتركة لمتابعة التنفيذ بحلول نهاية العام.
ومع ذلك، بعد مرور أشهر على توقيع الاتفاق، تتزايد المؤشرات على هشاشته، حيث تتهم الحكومة السورية وتركيا قسد بالمماطلة في تنفيذ البنود، بينما تؤكد قسد أن الحكومة السورية هي التي تخالف الاتفاق من خلال خروقات عسكرية وفرض شروط تعجيزية. فما هي أسباب هذه المماطلة؟ وما الذي قد يترتب على فشل تنفيذ الاتفاق؟
أسباب مماطلة قسد في تنفيذ الاتفاق
1. الخلاف حول الاندماج العسكري: تطالب الحكومة السورية بدمج أفراد قسد بشكل فردي في الجيش السوري مع تسليم الأسلحة، بينما تصر قسد على الاندماج ككتلة عسكرية موحدة تحت قيادتها، مع الاحتفاظ ببعض هياكلها العسكرية. هذا الخلاف يعكس رغبة قسد في الحفاظ على نفوذها العسكري والسياسي في شمال شرق سوريا.
2. تأثير حزب العمال الكردستاني (PKK): يرى مراقبون، مثل السياسي الكردي علي تمي، أن قرارات قسد تخضع لنفوذ شخصيات غير سورية مرتبطة بحزب العمال الكردستاني، مما يعيق اتخاذ قرارات محلية مستقلة. هذا النفوذ يُعتبر عقبة رئيسية أمام الالتزام بالاتفاق، حيث تتوزع ولاءات قسد بين أجنحة مرتبطة بإيران وأخرى مدعومة من الولايات المتحدة.
3. مطالب اللامركزية والحقوق الثقافية: أشار مظلوم عبدي في أغسطس 2025 إلى أن الاتفاق يواجه تحديات تتعلق بترتيبات اللامركزية والحقوق الثقافية والدينية. قسد تطالب بنظام لا مركزي يضمن الحكم الذاتي لمناطقها، بينما ترفض دمشق أي شكل من أشكال الفيدرالية، معتبرة إياها تهديدًا لوحدة الدولة.
4. التدخلات الخارجية: تعتمد قسد على دعم الولايات المتحدة، التي تدفع باتجاه ضمان حقوق الأكراد دون دعم مباشر لمشروع الحكم الذاتي. في الوقت نفسه، تمارس تركيا ضغوطًا على دمشق وقسد لتفكيك الأخيرة ونزع سلاحها، معتبرة أن استمرار سيطرة قسد على المنطقة يشكل تهديدًا لأمنها القومي.
5. استغلال الأزمات الإقليمية: تتهم دمشق وأنقرة قسد بمحاولة استغلال الاضطرابات في السويداء والساحل السوري لتعزيز نفوذها السياسي، من خلال عقد مؤتمرات مثل مؤتمر الحسكة، الذي وُصف بأنه محاولة لتدويل القضية الكردية.
تداعيات عدم تنفيذ الاتفاق
إذا فشل اتفاق 10 آذار، فقد تكون التداعيات خطيرة على المستويات المحلية والإقليمية:
1. تصعيد عسكري: حذرت كل من دمشق وأنقرة من احتمال شن عمليات عسكرية ضد قسد إذا استمرت المماطلة. تركيا، على وجه الخصوص، قد تلجأ إلى عمليات محدودة للضغط على قسد، خاصة مع دعمها العسكري لدمشق من خلال تسليم معدات ومدرعات.
2. زعزعة الاستقرار في شمال شرق سوريا: فشل الاتفاق قد يؤدي إلى تجدد الاشتباكات بين قسد والقوات المدعومة من تركيا أو الحكومة السورية، مما يعرض المدنيين لمزيد من المعاناة ويعيق عودة المهجرين.
3. تعثر الحل السياسي: الاتفاق كان يُنظر إليه كفرصة لتحقيق استقرار سياسي شامل في سوريا. فشله قد يعزز الانقسامات الداخلية ويُعيق جهود إعادة بناء الدولة، خاصة مع استمرار الخلافات حول الدستور الجديد والهيكلية الإدارية.
4. تدويل القضية الكردية: أشار صالح مسلم، عضو الهيئة القيادية في حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، إلى أن القضية الكردية أصبحت ذات طابع دولي، مما قد يدفع قسد للبحث عن دعم خارجي أكبر، خاصة من الولايات المتحدة وفرنسا، لتعزيز مطالبها بالحكم الذاتي. هذا قد يزيد من التوترات مع تركيا ودمشق.
5. تأثير على الاقتصاد السوري: مناطق سيطرة قسد تضم موارد اقتصادية حيوية مثل حقول النفط والغاز ومحاصيل القمح. فشل الاتفاق قد يؤخر دمج هذه الموارد في الاقتصاد الوطني، مما يفاقم الأزمة الاقتصادية في سوريا.
الخلاصة
اتفاق 10 آذار كان يُمثل فرصة تاريخية لتحقيق الوحدة الوطنية في سوريا وإنهاء سنوات من الصراع. لكن الخلافات حول الاندماج العسكري، اللامركزية، وتأثير الأطراف الخارجية جعلت تنفيذه يواجه عقبات كبيرة. مماطلة قسد، سواء كانت ناتجة عن حسابات استراتيجية أو ضغوط خارجية، تهدد بتقويض هذه الفرصة، وقد تؤدي إلى تصعيد عسكري أو سياسي يزيد من تعقيد المشهد السوري.
لضمان نجاح الاتفاق، يتطلب الأمر مرونة من جميع الأطراف، بما في ذلك تقديم ضمانات دستورية للأكراد، وتعهّد دمشق بتطبيق بنود الاتفاق بحسن نية، مع دعم دولي لتفادي التدخلات الإقليمية المعرقلة. بدون هذه الخطوات، قد تصبح سوريا أمام سيناريو جديد من عدم الاستقرار، يهدد آمال السوريين في بناء دولة موحدة ومستقرة.
إرسال تعليق